تخيل يكون طفلك متفوق في مهارات اللغة زي القراءة والكتابة، لكنه بيواجه صعوبة في فهم التفاصيل المكانية المرئية، وفهم الإشارات والعلاقات الاجتماعية، والتواصل غير اللفظي!
ومن هنا لفتت صعوبات التعلم غير اللفظية (NVLD) انتباه كتير من الأخصائيين والباحثين النفسيين، فوارد جداً تلاقي الطفل شاطر في دراسته الأكاديمية، بس عنده مشاكل كبيرة في الجانب النفسي والاجتماعي.
تشخيص المشكلة دي هو عملية معقدة، فعلى الرغم من انتشار المصطلح دا في الوقت الأخير في علم النفس والتربية الخاصة، إلا إن الأطفال اللي بتعاني من صعوبات التعلم غير اللفظية هم مجموعة غير متجانسة، ومش بالضرورة تجمعهم صفات موحدة.
ودا لأن درجات ذكاء الأطفال دي بتقع في المعدلات الطبيعية لدرجات ذكاء الأطفال اللي في سنهم.
في المقال دا، هنعرف إيه هو اضطراب التعلم غير اللفظي، وأسبابه، وأعراضه، وطريقة تشخيصه، وكمان هنتكلم عن طرق العلاج الموجودة في الوقت الحالي عشان نساعد الأطفال يتغلبوا عليه من بدري.
ما هي صعوبات التعلم غير اللفظية؟
هي اضطراب بيأثر على قدرة الفرد على فهم ومعالجة المعلومات والمهارات غير اللفظية بشكل صحيح، وبتظهر في مرحلة الطفولة، وممكن تكمل مع الطفل لحد سن البلوغ، وأحياناً لأبعد من كدا.
الصعوبات دي بتسبب إعاقة للطفل في مهارات التعلم، لكنها مش مرتبطة بمهارات تعلم القراءة والكتابة، فغالباً هتلاقي الطفل بيتكلم ويكتب بشكل سليم جداً، لكنه بيعاني من قصور في التفاعل الاجتماعي، وتنظيم الأفكار، والقدرة على التخطيط، وحل المشكلات.
صعوبات التعلم غير اللفظية بتأثر على عدد من مهارات الطفل، واللي من أهمها:
مهارات التواصل الاجتماعي
وهنا بيعاني الطفل من صعوبة في فهم لغة الوجه والجسد الخاصة بالأشخاص اللي بيتعاملوا معاهم، وبالتالي بيواجهوا صعوبة في قراءة مشاعرهم ونواياهم، فبيكونوا مش عارفين إيه هو التصرف المناسب لكل موقف بيتعرضوله في حياتهم اليومية.
مهارات الوعي البصري والمكاني
الشخص المصاب باضطراب التعلم غير اللفظي بيواجه صعوبة في:
- فهم وتحليل المعلومات المكانية زي: الخرائط، والمخططات، والمواقع الجغرافية.
- تنظيم الأشياء في مساحة معينة، وبالتالي بيعاني من فوضى في مكتبه أو غرفته.
- تحديد الاتجاهات، وفهم العلاقات المكانية بين الأشياء.
- قيادة وتوجيه السيارة، وتحديد المسافات بين المواقع.
- فهم الصور والرسومات البيانية.
وحسب الدراسة المقدمة من Journal of Learning Disabilities هنلاقي إن في تجربة اتعملت على 11 طفل من المصابين باضطراب التعلم غير اللفظي، وتم وضعهم في مجموعة مراقبة مكونة من 49 طفل، وطلبوا منهم 4 مهام بتعتمد على الذاكرة البصرية المكانية، فسجلوا كلهم درجات أقل من باقي الأطفال العاديين.
والنتائج أظهرت إنهم بيمتلكوا معدل ذكاء لفظي متوسط، وكمان بيواجهوا صعوبات في الرياضيات والرسم.
فهم الرياضيات
صعوبات التعلم غير اللفظية مش بتأثر على مستوى الطفل في حل المسائل الحسابية في سنين دراسته الأولى، لكن مع مرور الوقت وتقدمه في السن، بيواجه صعوبة في حل المسائل الرياضية اللي فيها قدر أكبر من التعقيد، واللي بتعتمد على فهمه لأنماط ومفاهيم رياضية معينة، خصوصاً المعتمدة على رسم وفهم الأشكال الهندسية.
المهارات الحياتية والوظائف التنفيذية
دي مجموعة من العمليات العقلية اللي بتساعد في التخطيط، والتنفيذ، والمرونة، وضبط السلوك، وبالطبع معاناة الطفل من صعوبات التعلم غير اللفظية بتأثر على مهاراته دي، فبنلاقيه بيواجه صعوبة في:
- تحديد الخطوات اللازمة لإتمام أي مهمة وتنفيذ الخطوات دي بشكل منظم.
- تنظيم ردود أفعاله، والتحكم في مشاعره وانفعالاته في مواقف محددة.
- تنظيم وإدارة الوقت، وتحديد الأولويات، والالتزام بالجداول الزمنية.
- تكيٌّف سلوكياته مع الظروف المتغيرة، والمواقف الجديدة.
- تقييم أدائه الشخصي، وضبط سلوكه بناءً على التقييم دا.
أسباب اضطرابات التعلم غير اللفظية
بنلاقي عوامل كتير ممكن تلعب دور مهم في إصابة الطفل بالاضطرابات دي، ومنها:
1- العوامل الوراثية والجينية
صعوبات التعلم غير اللفظية بترتبط ارتباط وثيق بروابط جينية، وبتنتج عن خلل في النصف الأيمن للدماغ، ودا المكان اللي بتحصل فيه المعالجة غير اللفظية.
ومن هنا بيصعب على الشخص تنفيذ أي رد فعل تلقائي تجاه المواقف والأحداث الجديدة عليه، وبيعتمد على ذاكرته في استحضار تصرفات قديمة من مواقف سابقة، وبالتالي بيظهر بشخصية غريبة على المستوى الاجتماعي.
كمان وجود تاريخ عائلي لنفس النوع من الصعوبات بيزود من احتمالات ظهورها عند الأجيال اللي جاية بعد كدا، وممكن يساعد أكتر في تطورها.
2- التشوهات الدماغية
ولادة الطفل بتشوهات دماغية ممكن يأثر بشكل كبير في تطور دماغه، وخاصةً في الأجزاء المتعلقة بالتفكير البصري والمكاني، والتفاهم غير اللفظي للمعلومات.
3- الاضطرابات الصحية
بعض الاضطرابات الصحية زي التوحد، واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، ممكن تكون مصاحبة لصعوبات التعلم غير اللفظية، وتساهم في تطورها.
4- البيئة والتعليم
البيئة السائدة حول الطفل، والجودة التعليمية اللي بيتلقاها، وانعدام الدعم التعليمي، والتجارب التعليمية السلبية السابقة، دي كلها عوامل ممكن تلعب دور كبير في إصابة الطفل باضطرابات التعلم غير اللفظية، وتطورها مع الوقت.
أعراض صعوبات التعلم غير اللفظية
النوع دا من أنواع صعوبات التعلم عند الأطفال بيصعب تحديد أعراضه بدقة، ودا لوجود أعراض وأشكال كتير من الاضطرابات اللي بتندرج تحت المصطلح دا بشكل عام، وكمان الأعراض وشدتها بتكون مختلفة بين كل طفل والتاني، وبتتمثل الأعراض السلوكية لاضطراب التعلم غير اللفظي في:
- الخوف من المواقف الجديدة، وصعوبة تكوين الصداقات.
- عدم القدرة على فهم تخطي الأشخاص للحدود.
- ضعف المهارات التنظيمية، والتخطيطية.
- انعدام الحس العام، ومقاومة التغيير.
- ضعف قدرات التمييز البصري.
- مشاكل في فهم الرياضيات.
ما مدى انتشار صعوبات التعلم غير اللفظية؟
تحديد مدى انتشار الصعوبات دي لسه متمش بشكل دقيق، ودا بسبب صعوبة تشخيصها، لأن الأعراض بتختلف من طفل للتاني، وبالتالي الآباء في أوقات كتيرة جداً مش بيكتشفوا إن أطفالهم بيعانوا منها.
لكن بتشير بعض الدراسات لانتشار الاضطراب دا بين الذكور أكتر من الإناث، وبحسب موقع LDA فحوالي 5% من الأفراد اللي بيعانوا من صعوبات التعلم بيظهروا صعوبات معرفية وأكاديمية مرتبطة باضطرابات التعلم غير اللفظية.
بس لسه محتاجين أبحاث أكتر بخصوص الصعوبات دي لفهم مدى انتشارها، وتحسين نسبة تشخيصها بشكل أدق، لتقديم الدعم والعلاج المناسبين للمصابين.
كيفية تشخيص اضطرابات التعلم غير اللفظية
في الوقت الحالي بيتم تشخيص صعوبات التعلم غير اللفظية عن طريق الخطوات دي:
1- التقييم الأوّلي
التشخيص بيبدأ عادةً بمقابلة مع الطفل وأولياء الأمور لفهم التاريخ الصحي والتنموي للطفل، وبيتم طرح أسئلة حول السلوك، والأداء الأكاديمي، والتفاهم الاجتماعي.
2- التقييم النفسي
التقييم النفسي بيتم بواسطة أخصائي أو معالج نفسي مؤهل لدا، وبيقوم ساعتها بفحص العوامل النفسية والتنموية كلها اللي ممكن تلعب دور مهم في وجود النوع دا من صعوبات التعلم.
3- التقييم التعليمي
التقييم دا بيتضمن تقييم أداء الطفل في المدرسة، وسؤال المدرسين بتوعه عن أدائه وتفاعله مع المواد الدراسية والمهارات اللفظية وغير اللفظية، وممكن الأخصائي هنا يضع اختبار معياري لقياس الأداء الأكاديمي للطفل.
4- التقييم الطبي
وهنا بيتم فحص النظر والسمع والصحة العامة للطفل، عشان نتأكد إن الأعراض اللي عنده هي فعلاً تخص صعوبات التعلم غير اللفظية، ومش بسبب حالات مرضية تانية.
5- تقييم السلوك والتفاهم الاجتماعي
في المرحلة دي بيتم تقييم عدة جوانب عند الطفل، زي:
- قدرة الطفل على فهم مشاعر الآخرين والتعبير عن مشاعره بشكل مناسب.
- القدرة على التعامل مع الصراعات الاجتماعية وحلها بشكل فعال.
- كيفية بناء الطفل للعلاقات والصداقات، وكيفية الحفاظ عليها.
- السلوك الاجتماعي أثناء التفاعل مع الآخرين.
بناءً على نتائج التقييمات دي، بيقدر المختصين يقدموا تقرير تشخيصي بيوضح هل الطفل بيعاني من صعوبات التعلم غير اللفظية أو لأ، وبتشمل التقارير دي وصف دقيق للعوامل والتحديات اللي بيواجهها الطفل، وتوصيات الدعم والعلاج المناسب.
نصائح لعلاج اضطرابات التعلم غير اللفظية
لحد دلوقت مفيش علاج طبي يخص الاضطرابات دي، لكن بنتبع عدد من الاستراتيجيات والتدخلات اللي هدفها تحسين مهارات وقدرات الفرد على مواجهة صعوبات التعلم غير اللفظية، واللي من أهمها:
1- تعزيز مهارات الوعي البصري والمكاني
دا بيتم من خلال تقديم تمارين وأنشطة بتهدف لتطوير مهارات الوعي البصري والمكاني، زي التدرب على قراءة الخرائط، وفهم العلاقات المكانية.
2- تنمية المهارات الاجتماعية
وهنا بيتم تدريب الطفل على تنمية مهارات التفاهم الاجتماعي، وفهم العواطف، وتحليل لغة الجسد، وتحسين القدرة على بناء العلاقات والحفاظ عليها.
3- التدخل في الصعوبات الرياضية
في حالة معاناة الطفل من صعوبات في فهم الرياضيات، بيتم تقديم دعم إضافي وتدريب مكثف لتحسين مهارات الرياضيات، وتوضيح كيفية التعامل مع الأشكال الهندسية.
4- استخدام تقنيات التعليم الفردية
وهنا بيتم تقديم نظام تعليمي خاص مبني على تلبية احتياجات الطفل لمواجهة تحدياته الفردية، ودا بيشمل تعديل المناهج، وتقديم دعم إضافي في المجالات اللي بيواجه فيها الطفل صعوبات في التعلم.
5- العلاج النفسي
العلاج النفسي والمعالجة السلوكية ممكن يبقى ليهم دور كبير في علاج الطفل من صعوبات التعلم غير اللفظية، ودا من خلال حل المشكلات المرتبطة بانعدام الثقة في النفس، وقلة التحكم في الانفعالات.
6- دعم الأهل والتوجيه
ضروري من أولياء الأمور هنا إنهم يقدموا الدعم لأطفالهم، ويفهموا احتياجاتهم، ويقوموا بدورهم المناسب في البيت بجانب دور المدرسين في المدرسة.
الخلاصة
صعوبات التعلم غير اللفظية (NVLD) هي اضطراب بيأثر على مجموعة متنوعة من المهارات التعليمية والاجتماعية، والصعوبات دي بتشمل التحديات في فهم الرياضيات، ومهارات الوعي المكاني والبصري، والتفاهم الاجتماعي. ومع ذلك، نقدر نقدم الدعم والتدخلات المناسبة عشان نساعد الأفراد المصابين بالاضطراب دا على التغلب على تحدياتهم.
التعاون بين الأهل والمتخصصين بيلعب دور حاسم في توجيه الأفراد للنجاح، وممكن نقدم دعم فردي، ومناهج تعليمية خاصة لكل فرد، يكون هدفها تطوير مهاراته اللفظية وغير اللفظية، ومهارات الوعي البصري والمكاني، وتعزيز مهارات التفاهم الاجتماعي.
ومتنساش أهمية الدعم النفسي والعاطفي، والمعالجة السلوكية لمساعدتهم على التغلب على مشكلات الثقة بالنفس، وتحسين مهارات التفاهم والتفاعل الاجتماعي.
د. ربيع عامر
أغسطس 25, 2024 at 8:43 مجزاكم الله خيرا
د. ربيع عامر
أغسطس 25, 2024 at 8:44 مجزاكم الله خيرا
د ربيع عامر
استاذ التربية الخاصة المساعد جامعة الملك خالد سابقا
أضف تعليق